اليونان تروّض المواد الخطرة.. وتعيد استخدام مخلفات مصانع الإسمنت والزيوت والمواد الملوثة فى «توليد الطاقة البديلة»

المصدر:elwatannews     رابط المصدر

3 طرق للتخلص من المخلفات.. اختارت اليونان أكثرها أمناً.. الواقع يقول إن كل من يتعرف على التجربة يصاب بالارتباك نظراً لإصرار مسئوليها الشديد على صناعة المستحيل وتحويل كل ما هو خطر على صحة الإنسان والبيئة إلى شىء نافع.. ثم إعادة استخدام المواد الخطرة من جديد.
الأمر أشبه بترويض وحش يمكن أن يستغل نقطة ضعفك ليهاجمك فى لحظة، لكن منذ متى يعتمد العلم على الصدفة.. فى الأبحاث العلمية لا مجال للدجل.. وفى المصانع الكبرى كل شىء مدروس بعناية.. وهو ما يكشف لنا أول الطريق نحو المصانع اليونانية الثلاثة التى تجولت فيها «الوطن».
شركة «بوليكو» تتخلص من 25 ألف طن مواد عالية الخطورة فى أوروبا وتتولى ملوثات ميناء الأدبية بالسويس.. و«عبدالمنعم»: التخلص من الشحنة خارج مصر
بدأ الموضوع بدعوة من وزارة البيئة للتعرف على الجديد فى مجال التعامل مع المخلفات البيئية وكيفية الاستفادة منها خاصة ونحن نبدأ خطواتنا لتنفيذ التجربة ونقل الخبرات إلينا.
البداية كانت من مصنع «تيتان»، وهو أحد المصانع الكبرى فى مجال الإسمنت، لكن الفارق كبير بين ما تراه فى المصنع وآخر تراه على الأطراف المترامية من القاهرة أو المدن الجديدة التى تميزها من بعيد بأعمدة المداخن المعبأة بالأدخنة المتصاعدة بذرات الإسمنت من المصانع.. بعكس اليونانية التى تكتشف حولها اللون الأخضر والزراعات التى تعيد الأوكسجين من جديد إلى الأماكن المحيطة، لا يتوقف الأمر عند هذا الحد فالمصنع يقوم بالتخلص من المخلفات الخطرة داخله بأمان.
مصانع الإسمنت يكسوها اللون الأخضر وتنتشر حولها الزراعات.. و«تيتان» يستخدم مخلفات الصرف الصحى كوقود بنسبة 30٪.. و4 يورو لمعالجة الكيلوجرام الواحد
وعملية التخلص من المخلفات الخطرة لها حكاية ينبغى أن تُروى، بدأت بدفنها فى باطن الأرض لكنهم توقفوا عنها بعد شكاوى وصلت من تلوث المياه الجوفية، ثم تحولت إلى حرقها وتوقفت هى الأخرى بسبب تأثيرها على الهواء، وبدأت عملية التخلص منها بإعادة استخدامها من جديد فى صناعة الإسمنت.. ويستخدم المصنع الوقود البديل الذى يتم استخراجه من مخلفات الصرف الصحى بنسبة 30% وهناك مساعٍ لزيادة تلك النسبة.. والمصنع اليونانى لديه استثمارات فى مصر فى بنى سويف والإسكندرية.
ويرجع التعاون مع المصانع والشركات اليونانية فى مجال البيئة والتخلص من المخلفات إلى عام 2014.. حسب ما قالت غادة عبدالمنعم مدير إدارة المخلفات والمواد والنفايات الخطرة بجهاز تنظيم إدارة المخلفات، التابع لوزارة البيئة، حيث أجرت كلية العلوم جامعة الإسكندرية عام 2014 دراسة بناء على طلب وزارة البيئة عن طريق مشروع الإدارة المستدامة للملوثات العضوية الثابتة، حيث قامت بفحص متكامل وقياسات بيئية واجتماعية لمختلف العناصر بما فيها قياسات للهواء والتربة والإشعاع لشحنة اللندين بميناء الأدبية لبيان تأثير وجود الشحنة منذ عام ١٩٩٨ وحتى وقت الدراسة. أيضاً تم فحص حالة التخزين الحالى عن طريق شركة كوميبصل.
بصفة عامة فهذه الشحنة من مادة اللندين قد تم استيرادها عن طريق إحدى الشركات لتصديرها إلى إحدى الدول الأفريقية. وقد تم تخزينها. مؤقتاً (ترانزيت) بميناء الأدبية ولَم يقم المستورد باستكمال الشحن مما أدى إلى استمرار وجودها بالميناء حتى الآن، وتم التحفظ على الشحنة بعد مقاضاة المستورد وانتهت القضية تماماً عام ٢٠١٣ وحتى الآن الشحنة متحفظ عليها ولا يتم التعامل عليها بدون إذن من النيابة العامة، وقد صدر مؤخراً قرار من نيابة السويس الكلية بتكليف جهاز شئون البيئة بالتعامل مع الشحنة لإعادة تعبئتها وشحنها والتخلص منها وذلك عقب توقيع وزارة البيئة من خلال مشروع الإدارة المستدامة للملوثات العضوية الثابتة عقداً مع شركة بوليكو اليونانية للتخلص الآمن من هذه الشحنة خارج مصر بإحدى المحارق عالية التكنولوجيا بفرنسا.
وشركة بوليكو كانت المكان الثانى الذى شاهدناه فى اليونان، حيث تعد الشركة من أكبر الشركات المتخصصة فى التخلص الآمن من الملوثات عالية الخطورة، وتتخلص سنوياً من نحو ٢٥ ألف طن من الملوثات الخطرة باليونان وهو ما يمثل ما يقرب من ٨٠٪‏ من حجم الملوثات الخطرة السنوى باليونان. فضلاً عن ذلك قامت الشركة بأعمال التخلص الآمن من كميات كبيرة من الملوثات العضوية عالية الخطورة من عدة دول على مستوى العالم منها لبنان والإكوادور وسلطنة عمان وكازاخستان وغيرها من الدول.
ومادة اللندين التى يتم التخلص منها فى ميناء الأدبية هى إحدى المواد عالية الخطورة ومصنفة كمركب عضوى ثابت طبقاً لاتفاقية استكهولم وهى ملوث شديدة الخطورة وعالى السُّمية للإنسان والكائنات الحية، وتتراوح تأثيراتها بصفة عامة ما بين تأثير على الجهاز العصبى أو على التركيب الجينى للإنسان إلى تأثيرات قد تصل إلى تسبب بعض هذه المواد فى حدوث أمراض سرطانية، فضلاً عن أن هذه النوعية من المواد لا تتحلل فى الماء ولكنها تتحلل فى الخلايا الدهنية للحيوانات وتتركز فيها وبالتالى فى حالة تغذى الحيوانات عليها فتتركز المواد فى الخلايا الدهنية للحيوان وفِى حالة تناول الإنسان لذلك الحيوان فتنتقل هذه التركيزات للإنسان، كما أن هذه الملوثات تتميز بالثبات وعدم التحلل فى البيئة لفترات زمنية تمتد لعشرات السنوات وقد تصل لمائة عام وبالتالى يصعب على البيئة التخلص من تلك المواد بصورة طبيعية عن طريق التحلل.
وقد تم توقيع العقد مع الشركة اليونانية فى ٨ سبتمبر ٢٠١٦ بعد إجراء مناقصة دولية طبقاً لإجراءات البنك الدولى وعمل تقييم فنى ومالى للشركات الدولية المتقدمة بمشاركة نخبة من الاستشاريين المحليين وكذلك استشارى دولى لضمان اختيار أفضل العروض الفنية والمالية من الشركات التى لها خبرات دولية مماثلة فى التعامل والتخلص من تلك النوعية من الملوثات عالية الخطورة.
يضيف أحمد عبدالحميد، مدير مشروع الإدارة المستدامة للملوثات العضوية الثابتة، المنفذ بالتعاون بين وزارة البيئة والبنك الدولى ومرفق البيئة العالمى، أنه عقب توقيع العقد تم استصدار قرار من النيابة العامة بتكليف جهاز شئون البيئة بالتعامل مع شحنة اللندين بميناء الأدبية، وقامت لجنة تضم ممثلين لمشروع الإدارة المستدامة للملوثات العضوية الثابتة وممثلين عن إدارة الجمارك والهيئة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس المسئولة عن إدارة ميناء الأدبية ومندوبى شركة بوليكو، بفض الأحرار لأخذ عينات من الشحنة لإرسالها إلى الجهة التى ستقوم بالتخلص النهائى من الشحنة لتحليلها.
وقامت الشركة بالانتهاء من إعداد ملف الأخطار والخاص بالحصول على تصريح مرور الشحنة من الدول المختلفة من مصر وحتى وصولها إلى فرنسا، حيث تخضع عملية نقل هذه النوعية من الملوثات الخطرة لاتفاقية بازا الدولية التى تنظم نقل الملوثات الخطرة عبر حدود الدول. بناء على على هذه الاتفاقية يجب الحصول على موافقة مسبقة من أى دولة سيمر من خلال حدودها تلك المواد الخطرة. وتمثل هذه الخطوة المهمة المحدد الرئيسى فى توقيت الانتهاء من أعمال التخلص من الشحنة حيث تتطلب إجراءات موافقة بعض الدول وقتاً طويلاً نسبياً.
كما يجرى حالياً الحصول على الموافقات الجمركية للإفراج المؤقت عن المعدات والعبوات التى ستقوم الشركة بإدخالها إلى ميناء العديلية حتى يتم إعادة تعبئة مادة اللندين بها ثم شحنها خارج مصر، حيث إن المعدات ووسائل التعبئة تتم طبقاً لمواصفات دولية وسيكون من ضمن تلك المعدات أجهزة ووسائل ضمان الأمان البيئى والشخصى أثناء عمليات إعادة التعبئة والشحن بما يضمن سلامة العاملين والمحيطين ببيئة العمل وطبقاً لخطة الأمن والسلامة البيئية التى تم وضعها.
كما أن مشروع الإدارة المستدامة للملوثات العضوية الثابتة هو إحدى الأدوات التى تستخدمها وزارة البيئة لمكافحة الأنواع المختلفة من الملوثات خاصة الخطرة منها بما يحقق هدفين، أولهما المحافظة على صحة الإنسان وتقليل المخاطر على البيئة المصرية، وثانياً إيفاء التزامات مصر بالاتفاقيات الدولية الخاصة بالحد من الملوثات. وهذا المشروع يتم تمويله بمنحة من مرفق البيئة العالمى مقدارها ٨٫١ مليون دولار بالإضافة إلى مساهمات محلية من وزارات البيئة والكهرباء والزراعة تبلغ نحو ١٥ مليون دولار معظمها مساهمات عينية تشمل الدعم اللوجيستى لتنفيذ أهداف المشروع. ويهدف المشروع إلى التخلص الآمن من نحو ١٠٠٠ طن من المبيدات المهجورة (مهجورة أى غير مستخدمة نتيجة انتهاء فترة صلاحيتها أو فترة الترخيص بها من وزارة الزراعة أو نتيجة مصادرات وزارة الزراعة لضبطيات مهربة). تشمل هذه الكمية المستهدفة التخلص الآمن من ٢٢٠ طناً من المبيدات عالية الخطورة المحتوية على مواد عضوية ثابتة والممنوع تداولها طبقاً لاتفاقية استكهولم والمتحفظ عليها بميناء الأدبية بالسويس، وكذلك التخلص من ٤٤٠ طناً من المبيدات المهجورة بمخزن بشونة قرية الصف، وكذلك ٣٥٠ طناً من المبيدات المخزنة فى مخازن على مستوى الجمهورية. الهدف الثانى للمشروع هو التخلص الآمن من نحو ١٠٠٠ طن من زيوت المحولات الكهربائية التى أُنتجت فى فترة زمنية محددة حتى عام ١٩٨٥ والتى كان يتم استخدام بعض الإضافات لهذه الزيوت لتحسين كفاءتها على المستوى العالمى وثبت فيما بعد أن تلك الإضافات تحتوى على ملوثات عضوية ثابتة تم حظر تداولها طبقاً لاتفاقية استكهولم.
وزارة البيئة لديها عدة مشروعات فى مجالات مختلفة منها مشروع بدأ مؤخراً يختص بمكافحة والحد من الملوثات العضوية الثابتة التى تنتج عن غير عمد نتيجة التخلص من النفايات الطبية والنفايات الإلكترونية، وكذلك مشروع آخر بدأ منذ عدة سنوات ومستمر حتى الآن ومختص بالحد من تلوث الهواء الناتج عن الأنشطة الصناعية، وكذلك مشروع تم الانتهاء من أنشطته وهو خاص بالتخلص الآمن من زيوت المحولات الكهربائية فى مجال الصناعة والمحتوية على ملوثات عضوية ثابتة عالية الخطورة حيث يجرى حالياً أعمال التخلص من تلك الزيوت والمحولات الملوثة بطريقة آمنة بيئياً خارج البلاد.
ونعود إلى اليونان التى تتعامل مع إعادة تدوير المخلفات والتخلص الآمن منها بطريقة مختلفة، فالوقود البديل المنتج من المصنع يستخدم فى مصانع الإسمنت وتقوم الشركة أيضاً بإنتاج أنواع معينة من الإضافات تستخدمها مصانع الإسمنت أثناء حرق الوقود البديل، حيث يتم نثر هذه الإضافات فى مداخن الإسمنت.
فبحكم القوانين اليونانية كل من ينتج أى نوع من الملوثات يجب أن يتم التخلص منها بطريقة آمنة لدى إحدى الشركات المتخصصة مثل بوليكو التى تستحوذ كما ذكرنا على نحو ٨٠٪‏ من سوق معالجة الملوثات باليونان.
وكل من ينتج ملوثات يقوم بدفع مبالغ مالية لشركة التخلص، ويختلف المبلغ حسب كمية الملوثات ونوعها ومدى قربها من مكان المعالجة وقد تصل إلى ٤ يورو لمعالجة الكيلو جرام الواحد من الملوثات.
وتتم مراحل استقبال الشركة للملوثات حسبما قالت حنان موج، المستشار الإعلامى لوزير البيئة، كالآتى: استقبال أنواع الملوثات التى يتم استقبالها لإنتاج وقود بديل هى ما بين مخلفات خزانات شركات تكرير البترول، الأدوية منتهية الصلاحية، السجائر المهربة بطرق غير شرعية وتمت مصادرتها، بقايا المنسوجات الناتجة عن مصانع البويات، منتجات التجميل منتهية الصلاحية أو التى بها عيوب من المصنع، الزيوت من المحولات والمعدات الصناعية، المبيدات منتهية الصلاحية، وغيرها من المخلفات الخطرة ما عدا الملوثات القابلة للانفجار التى يتم التعامل معها بطرق أخرى وبعد إجراء التحليلات الكيميائية بالمعمل المعتمد الخاص بالشركة يتم التعامل معها حسب نوع المخلفات وصولاً فى النهاية إلى طحن المخلفات إلى حبيبات لا تزيد على ٣ سنتيمترات بعد إضافة نسبة معينة من نشارة الخشب لرفع المحتوى الحرارى للوقود الناتج، بعد ذلك يتم التعبئة فى صناديق وإرسالها إلى مصانع الإسمنت لاستخدامها فى إشعال الأفران.
أما ثالث المصانع التى زرناها فى اليونان فهو مصنع lpc لمعالجة المخلفات السائلة وهى شركة تقوم بإعادة تدوير مخلفات الزيوت المعدنية، حيث يتيح البترول نحو 60% من مخلفات الزيوت، وحسبما ذكر مسئولو المصنع كلما زادت نسبة المياه فى الزيوت تقل قيمتها.